فصل: تفسير الآيات (1- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (31- 39):

{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)}
{الصافناتُ الجياد} أي: الخيل القائمة.
{فقال إني أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربي} آثرت حبَّ الخير، أي: الخيل، على ذكر الله حتى فاتني في وقته {حتى توارت} الشَّمس {بالحجاب} أَيْ: غربت، وقوله: {فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} أَيْ: أقبل يقطع سوقها وأعناقها، ولم يفعل ذلك إلاَّ لإِباحة الله عزَّ وجلَّ له ذلك، وقوله: {ولقد فتنا سليمان} ابتليناه {وألقينا على كرسيِّه جسداً} شيطاناً تصوَّر في صورته، وذلك أنَّه تزوَّج امرأة وهويها، وعبدت الصَّنم في داره بغير علمه، فنزع الله ملكه أيَّاماً، وسلَّط شيطاناً على مملكته، ثمَّ تاب سليمان وأعاد الله عليه ملكه، فسأل الله أن يهب له ملكاً يدلُّ على أنَّه غفر له، وردَّ عليه ما نزع منه، وهو قوله: {وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي}. وقوله: {رخاءً} أي: ليِّنةً مُطيعةً سريعةً {حيث أصاب} أراد وقصد سليمان عليه السَّلام.
{والشياطين} أَيْ: وسخَّرنا له {كلَّ بناء} من الشَّياطين مَنْ يبنون له {وغوَّاص} يغوصون في البحر، فيستخرجون ما يريد.
{وآخرين مقرنين في الأصفاد} وسخَّرنا له مردة الشَّياطين حتى قرنهم في السَّلاسل من الحديد، وقلنا له: {هذا} الذي أعطيناك {عطاؤنا فامنن} أَيْ: أعطِ {أو أمسك بغير حساب} عليك في إعطائه ولا إمساكه، وهذا مما خصَّ به.

.تفسير الآيات (41- 46):

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)}
{بنصب} أَيْ: بتعبٍ ومشقَّةٍ في بدني {وعذاب} في أهلي ومالي، فقلنا له: {اركض برجلك} أَيْ: دُسْ وحرِّك برجلك في الأرض، فداس فنبعت عين ماءٍ، فاغتسل به حتى ذهب الدّاء من ظاهره، ثمَّ شرب منه فذهب الدَّاء من باطنه.
{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} مُفسَّرةٌ في سورة الأنبياء عليهم السَّلام.
{وخذ بيدك ضغثاً} حزمةً من الحشيش {فاضرب به} امرأتك {ولا تحنث} في يمينك. وقوله: {أولي الأيدي} أَيْ: ذوي القوَّة في العبادة {والأبصار} البصائر في الدِّين.
{إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} أَيْ: جعلناهم يُكثرون ذكر الدَّار الآخرة والرُّجوع إلى الله تعالى.

.تفسير الآيات (48- 50):

{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)}
{من الأخيار} جمع خيِّر.
{هذا ذكر} شرفٌ وذكرٌ جميلٌ يُذكرون به أبداً {وإنَّ للمتقين} مع ذلك {لحسن مآب} مرجعٍ في الآخرة، ثمَّ بيَّن ذلك المرجع فقال: {جنات عدن}.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)}
{أتراب} أقرانٌ وأمثالٌ أسنانهنَّ واحدةٌ.

.تفسير الآية رقم (55):

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55)}
{هذا وإنَّ للطاغين} أي: الأمر هذا الذي ذكرت.

.تفسير الآيات (57- 64):

{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}
{هذا فليذوقوه حميمٌ وغساق} أَيْ: هذا حميمٌ وغسَّاقٌ فليذوقوه، والغسَّاق: ما سال من جلود أهل النَّار.
{وآخر} أَيْ: وعذابٌ آخر {من شكله} من مثل ذلك الأوَّل {أزواج} أنواع فإذا دخلت الرُّؤساء النَّار، ثمَّ دخل بعدهم الأتباع قالت الملائكة: {هذا فوج} جماعةٌ {مقتحمٌ معكم} داخلوا النَّار، فقال الرُّؤساء: {لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار} كما صليناها، فقال الأتباع: {بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدَّمتموه لنا} شرعتم وسنتتم الكفر لنا {فبئس القرار} قرارانا وقراراكم.
{قالوا} أي: الأتباع {ربنا مَنْ قدَّم لنا هذا} شرعه وسنَّه {فزده عذاباً ضعفاً في النار} كقوله: {ربنا آتهم ضعفين من العذاب} {وقالوا} يعني: صناديد قريش: {ما لنا لا نرى رجالاَ كنَّا نعدُّهم من الأشرار} أي: فقراء المسلمين.
{أتخذناهم سخرياً} كنَّا نسخر بهم في الدَّنيا، أَمفقودون هم؟ {أم زاغت عنهم الأبصار} فلا نراهم ها هنا.
{إن ذلك} الذي ذكرنا عن أهل النَّار {لحق} ثمَّ بيَّن ما هو فقال: {تخاصم أهل النار}.

.تفسير الآية رقم (67):

{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)}
{قل هو نبأٌ عظيم} أَي: القرآن الذي أنبأكم به وجئتكم فيه بما لا يُعلم إلاَّ بوحي.

.تفسير الآية رقم (69):

{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)}
{ما كان لي من علم بالملأ الأعلى} وهم الملائكة {إذ يختصمون} في شأن آدم عليه السَّلام. يعني: قولهم: {أتجعل فيها مَنْ يفسد فيها...} الآية.

.تفسير الآية رقم (75):

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)}
{لما خلقت بيدي} أَيْ: تولَّيت خلقه، وهذا اللَّفظ ذُكر تخصيصاً وتشريفاً لآدم عليه السَّلام، وإن كان كلُّ شيءٍ يتولَّى الله خلقه دون غيره.

.تفسير الآيات (84- 88):

{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
{قال فالحقُّ والحقَّ أقول} أَيْ: فبالحقِّ أقول، وأقول الحقَّ قَسمٌ جوابه: {لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}.
{قل ما اسألكم عليه} على تبليغ الرِّسالة {من أجر وما أنا من المتكلفين} المُتقوِّلين للقرآن من تلقاء نفسي.
{إن هو} ليس القرآن {إلاَّ ذكر} عظةٌ {للعالمين}.
{ولتعلمنَّ} أنتم أيُّها المشركون {نبأه} ما أخبرتكم فيه من البعث والقيامة {بعد حين} بعد الموت.

.سورة الزمر:

.تفسير الآيات (1- 7):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
{تنزيل الكتاب} ابتداءٌ، وخبرُه قوله: {من الله العزيز الحكيم}. وقوله: {مخلصاَ له الدين} أَيْ: الطَّاعة، والمعنى: اعبده مُوحِّداً لا إله إلاَّ هو.
{ألا لله الدين الخالص} أَيْ: الطَّاعة لا يستحقُّها إلاَّ الله تعالى، ثمَّ ذكر الذين يعبدون غيره فقال: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} أَيْ: ويقولون: {ما نعبدهم إلاَّ ليُقَرِّبونا إلى الله زلفى} أَيْ: قربى {إنَّ الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون} من أمر الدِّين، ثمَّ ذكر أنَّه لا يهدي هؤلاء، فقال: {إنَّ الله لا يهدي مَنْ هو كاذب} في إضافة الولد إلى الله تعالى {كفار} يكفر نعمته بعبادة غيره، ثمَّ ذكر براءته عن الولد فقال: {لو أراد الله أن يتخذ ولداً} كما يزعم هؤلاء {لاصطفى} لاختار {ممَّا يخلق ما يشاء سبحانه} تنزيهاً له عن الولد. وقوله: {يكور الليل على النهار} أَيْ: يدخل أحدهما على الآخر.
{خلقكم من نفس واحدة} يعني: آدم عليه السَّلام {ثمَّ جعل منها زوجها} حوَّاء {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} مشروحٌ في سورة الأنعام، وقوله: {خلقاً من بعد خلق} أَيْ: نطفةً، ثمَّ علقةً، ثمَّ مضغةً {في ظلمات ثلاث} ظلمة البطن، وظلمة الرَّحم، وظلمة المشيمة {فأنى تُصرفون} عن عبادته إلى عبادة غيره بعد هذا اليبان! وقوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} أَيْ: المؤمنين المخلصين منهم، كقوله: {عيناً يشرب بها عباد الله}. {وإن تشكروا} أَيْ: إن تطيعوا ربَّكم {يرضه لكم} يرض الشُّكر لكم ويُثبكم عليه.

.تفسير الآيات (8- 12):

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)}
{وإذا مسَّ الإنسان} يعني: الكافر {ضرٌّ دعا ربَّه منيباً إليه} راجعاً {ثمَّ إذا خَوَّلَهُ} أعطاه {نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل} نسي الله الذي كان يتضرَّع إليه من قبل النِّعمة، وترك عبادته {قل} يا محمَّد عليه السَّلام لمن يفعل ذلك: {تمتع بكفرك قليلاًَ إنك من أصحاب النار}. وهذا تهديدٌ.
{أم مَنْ هو قانت} قائمٌ مطيعٌ لله {آناء الليل} أوقاته {يحذر} عذاب {الآخرة} كمَنْ هو عاص؟ ثمَّ ضرب لهما مثلاً فقال: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} أَيْ: هل يستوي العالم والجاهل؟ كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. {إنما يتذكر أولوا الألباب} إنَّما يتَّعظ بوعظ الله ذوو العقول. وقوله: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا} وحَّدوا الله تعالى وعملوا بطاعته {حسنة} وهي الجنَّة {وأرض الله واسعة} فهاجروا فيها، واخرجوا من بين الكفَّار {إنما يوفى الصابرون} على طاعة الله تعالى وما يبتليهم به {أَجْرَهُمْ بغير حساب} بغير مكيالٍ ولا ميزان.
{قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين} أَيْ: مُوحِّداً.
{وأمرت لأن أكون أول المسلمين} من هذه الأُمَّة.

.تفسير الآيات (15- 24):

{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)}
{قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم} بالتَّخليد في النَّار {وأهليهم} لأنَّهم لم يدخلوا مدخلِ المؤمنين الذين لهم أهل في الجنَّة.
{لهم من فوقهم ظللٌ} هذا كقوله {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم...} الآية، وكقوله: {لهم من جهنَّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ} {ذلك} الذي وصفت من العذاب {يخوِّف الله به عباده}.
{والذين اجتنبوا الطاغوت} أَيْ: الأوثان {أن يعبدوها وأنابوا إلى الله} رجعوا إليه بالَّطاعة {لهم البشرى} بالجنَّة {فبشر عباد}.
{الذين يستمعون القول} القرآن وغيره {فيتبعون أحسنة} وهو القرآن.
{أفمن حقَّ عليه كلمةُ العذاب أفأنت} يا محمَّدُ {تنقذ} ه، أَيْ: تُخرجه من النَّار، أيْ: إنَّه لا يقدر إلى هدايته، وقوله: {لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية} أَيْ: لهم منازل في الجنَّة رفيعةٌ، وفوقها منازل أرفع منها.
{ألم تر أنَّ الله أنزل من السماء ماءً فسلكه} أدخل ذلك الماء {ينابيع في الأرض} وهي المواضع التي ينبع منها الماء، وكلُّ ماءٍ في الأرض فمن السَّماء نزل. {ثم يخرج به} بذلك الماء {زرعاً مختلفاً ألوانه} خضرةً، وحمرةً، وصفرةً {ثمَّ يهيج} ييبس {فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً} دُقاقاً فتاتاً {إنَّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب} يذكرون ما لهم من الدَّلالة في هذا على توحيد الله تعالى وقدرته.
{أفمن شرح الله صدره} وسَّعه {للإِسلام فهو على نور من ربه} أَيْ: فاهتدى إلى دين الإِسلام، كمَنْ طبع على قلبه، ويدل على هذا المحذوف قوله: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله}.
{والله نزل أحسن الحديث} أي: القرآن {كتاباً متشابهاً} يشبه بعضه بعضاً من غير اختلافٍ ولا تناقضٍ {مثاني} يثني فيه الأخبار والقصص، وذكر الثَّواب والعقاب {تقشعر} تضطرب وتتحرَّك بالخوف {منه جلود الذين يخشون ربهم} يعني: عند ذكر آية العذاب {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} أَيْ: من آية الرَّحمة {ذلك هدى الله} أَيْ: ذلك الخشية من العذبا ورجاء الرَّحمة هدى الله.
{أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} وهو الكافر يُلقي في النَّار مغلولاً، فلا يتهيَّأ له أن يتَّقي النَّار إلاَّ بوجهه، ومعنى الآية: أَفَمن هذه حاله كمَن يدخل الجنَّة؟